يا نجوماً غريبةً ذات حول لا يُجارى و لا مفرَّ لرائي ،
أنا لا أدري أيَّ صفو رحيب ، أيَّ شيءٍ محجّبٍ علويِّ
ترتضينَ انبلاجهُ يتهادى في البعيد المدلَّل الزمنيّ ،
أنت يامن تغرِّقين بعنفٍ في مطاوي الأنام حتى الدّموع ،
هذهِ الدَّفقة الدّريرة من نور تسامى ، ومن سلاح منيع ،
و انطلاقاتك القصيّة تعدو في فجاج من عمرك الأبدي ،
معكِ إنّي وحيدةٌ ، أتداعى ، قد تخليّتُ عن سريري الطري ..
.. عند طيفِ المسخ الذي يتلوّى دونَ أعتاب مدخل يتوقّد ،
أيهذا الزَّخّافُ مهما تراءَيت سريعاً على جموحك تُعقدُ ،
يا التواءً طواله تتوالى هدهداتُ الملامسات النواعم ،
و نفاذاً للصبر يدنو و يدنو ، و ارتخاءً ، يا ثقلَ ما فيه ، جاثمٌ ،
أنتَ ، ما أنتَ بالقياس إلى ليل طواني في سرمديّ مداهُ ؟
كيف ترنو الى جميلَ ارتخائي نائماً غافلاً تداعت قواه ..
غيرَ أنّي على اتفاقٍ وثيقٍ مع ما فيّ من مخاطرَ تزخر ،
أنا ، يا صولجانُ باخُسَ ، منها ، في الخيانات والتقلّب أمهَرْ .
أهربي منّي ! تابعي من جديد دابق الخيط من سوادِ الرُّجوع !
إذهبي في طلابِ من هدّهُ النومُ لرقص الأرداف منكِ الوضيع ،
جرِّري جرِّري فساتينك الحرّى تباعاً الى سرير سوايا ،
أحضُني أنتِ فوقَ أفئدةٍ أخرى جراثيم ضيمها في العشايا
وعلى لفُّ حُلمك الحيوانيّ ليلهثُ للصّبح همُّ النّقاء !
أيّها الذِّكرُ ، يا وقوداً هواهُ ، عسجدياً يهبُّ ملء جبيني ،
أنفخ الأرجوانَ فوق قناعي ، لوّن الرفض أيّما تلوين
أن أكونَ الأنا ، و قد أشعلتُ ذاتي ، خلافاً لما مضى من حياتي .
إقترب يادمي ، هلمَّ ولوّن من قديمي ألوانه الشاحبات ،
إنّما الّلازورد كان عليه يغدقُ النُّبل من بعادٍ مهيبٍ ،
يا دمي ، و اصبغ السّواسن من عهدٍ تقضّى ، .
أدنُ و أمسح هذا العطاء المعفّى فوق جسمي . هلمَّ كيما أُفاجىءْ
من جديد و أبغضُ الطفلةَ الخفراء ، هذي ، وذا السّكون المواطىءْ ،
و الكديرَ الشّفّاف يغطسُ في الغابِ و يطفو .. و في جليديِّ صدري
فليعاودوا نداءَهُ ذلك الصّوت مرنّاً ، فما أنا كنتُ أدري فيه بُحَّا
و قد تغلّفَ بالحبِّ خفيتاً ، مثل الحفيف المُهادي ..
إنّما الأغيَدُ المدلّلُ جيدٌ في طِلاب المجنّح الصيّاد .
* أصغِ .. لاتُكثر التّمهُّل من بعدُ .. فإنّ العامِ الجديدَ الطالعْ
لدمي كلِّه تنبّأ بالرّعشاتِ تترى ، محجوبةً ببراقع :
الجليدُ الممتدُّ يتركُ بالرُّغم خريد الماساتِ منهُ الأخيرة ..
وغداً ، يفدُ الطالعُ الرّبيع فيفجو محكمات الأقفال فوق النُّبوع :
الربيعُ المُهيب يضحكُ ، يفتضّ البكارات .. طلسماً في الطلوع .
غير أنّ النّقاء يرشحُ قطراً في كلامٍ مرفّه الدّلّ غاوي ،
فيروحُ الحنانُ يمتلكُ الأرضَ ، حنانٌ في مهجةِ الأرضِ ثاوي ..
مائساتُ الأشجار نفّخها الريُّ جديداً و غلّفتها البراعم ،
مثقلاتٍ برفِّ أجنحها الألفِ ، وآفاقها الرّحاب النّواعم ،
راحت الآنُ فوقُ ، في مفرق الشّمس ، تذرّي شعورها المرعِدات ،
و تحثّ التّصعيد في حسرةِ الجوِّ بآلاف أجنح مورقات
تتندّى رِيّاً وتزهو اخضراراً ، فتُحسُّ الفروع منها جديدة ..
-----------
"البارك الشّابة " بول فاليري 1917م - ترجمة رَوّاد طَربيْه 1994 م
* مقتطفات من هذا المقطع .