" في سن مبكرة جداً بين الشهر السادس و الشهر الثامن عشر يبدأ الطفل بتطوير قدرة التعرف على صورته في المرآة، التي تشكل له وحدة جسدية متكاملة ينتحلها لنفسه مما يننحه حسّاً بالكمال والوحدة، كما يمنحه وعياً بفكرة الاختلاف و الانفضام عن الغير. غير أن الكمال هذا مجرد وهم بتعارض مع معايشة الطفل لتشظي جسده وتشظي تجربة الجسد نفسه.
ويثبت الطفل وعياً بالرابط بين حركاته وسلوكه وبين مثيله المنعكس في المرىة. كما يدرك لاحقاً أن الصورة المنعكسة ليصست صورة مطابقة تماماً له، و إنما هي صورة مثالية جسدياً و اتحاداً يسعى الطفل للتماهي معها، وتكون أرضية لتبيئة عامل (الأنا) قبل أن تحدد اجتماعياً، و لعل مثل هذا الوضع يكشف أسس النرجسية و الهوية و قضية التماهي، لكن تشبث الطفل بالصورة يتأسس جوهرياً على مايسمى الانحراف المعرفي (meconnaissance).
أن أهم ماتنطوي عليه المرحلة هي بذور الاغتراب الآصل، أي انفتاح هوة سحيقة لا تقبل الوصل بين الطفل و ما يتراءى له من صورة الذات، و سيضل هذا الانفصام مصاحباً لكل علاقاته المستقبلية. ومن هذه اللحظة وصاعداً لا يدرك الطفل هويته إلا من خلال منظور وهمي، يهيء بدوره للاغتراب الذي سيتحقق مع اكتساب اللغة وعبور الطفل الى الى النظام الرمزي. فالأنا أو الذات منزرعة في مهاد وهمي نحاول نحاول دائماً الدفاع عنه ضد هجمات مايسمى بـ(الواقع الحقيقي).
أن المرء لا يتشكّل كفرد دون علاقة تربطه بالآخر، فالطفل حين يرى صوراً فإنه لايزال يستبدل صورة الآخر هذه بنوع من (الأنا) لكنه تدريجياً يدرك أن الصورة محض صورة خارجية بالنسبة للذات، و من هنا يصبح معاً فرداً مدركاً و مادة يدركها، و تتحول الصورة الى علامة للأنا و هذه هي مرحلة نظام الرمز، عندها لانستطيع العودة أبداً الى مرحلة الوصل التام، أي الى الأنا الكاملة، حين لم يكن هناك رمز منفصل عن الأنا. أن وصف ذاكرة الحالة ماقبل التحول الى فرد مدرك حيث كان الطفل و الصورة كلاً واحداً، أي لم يكن هناك آخر، و هي حالة نسعى الى تحقيقها باستمرار بردم الهوة التي تفصم الأنا أساساً. كما أن مفهومنا للأنا يعتمد على الصور التي نستخدمها لملء هذا النقص القار.
أن (الأنا) في تاسسها تنغمس في المتخيل، لتتوهم أنها كل متكامل؛ و مصدر هذا الوهم ليس سوى تجذر الانحراف المعرفي و التطلع الى هيمنة كاملة على صورة الجسد.
*** *** *** ***
* مقتطفات, "مرحلة المرآة بوصفها مكونة لوظيفة (الأنا) كما تتكشف في تجربة التحليل النفسي" جاك لاكان /المؤتمر العالمي السادس عشر لعلم النفس- زيورخ 1949/"دراسات أدبية وثقافية" لونجمان برس 1994. خاص المسيرة الالكتروني
* مقتطفات, "مرحلة المرآة بوصفها مكونة لوظيفة (الأنا) كما تتكشف في تجربة التحليل النفسي" جاك لاكان /المؤتمر العالمي السادس عشر لعلم النفس- زيورخ 1949/"دراسات أدبية وثقافية" لونجمان برس 1994. خاص المسيرة الالكتروني