عند الغروب في زحمة حضور الأشياء المجهد
ثمة نظرة متربصة تبصر حجم الوقت
وعلى الطاولة ضجيج فواكه ناضجة
ينساب نحو جهة إدراك الموت المبهمة
فيما الريح تهب لحاشية الحياة الوديعة
شميم المزرعة المترامي فوق بساط الفراغ
وكمهفاة يمسك الذهن سطح الوردة البراق
ويروح عن نفسه
نزل المسافر من الحافلة
يالها من سماء صافية
وخطف امتداد الشارع غربته.
عند الغروب
كان صوت ذكاء النباتات يطرق السمع
المسافر قادما
جالسا على مقعد وثير جوار العشب
قلبي منقبض
لكم منقبض قلبي
طوال الطريق كنت منشغلا بشيء واحد
وكان لون السفوح يخطف انتباهي
فيما خطوط الطرق منغمسة في حزن السهوب
بالها من وديان مدهشة
ـ والحصان هلا تذكرته؟
كان ناصعا كمفردة نقية
كان يعلف صمت الوديان الأخضر
ثم الغربة الزاهية للقرى المحاذية
ثم الإنفاق
قلبي منقبض
ولا شيء لا هذي اللحظات الشذية التي تنطفئ فوق أغصان النارنج
ولا هذي الصداقة الزائلة المتراوحة بين أغصان الليلك
لاشيء يحررني من هجمة الأطراف الفارغة
وها أنذا أتفكر
إن هذا الإيقاع الموزون للحزن سيبقى مسموعا إلى الأبد.
هوت نظرة المسافر على الطاولة
ياله من تفاح جميل
الحياة منتشية بالعزلة
وسأل المضيف
ـ ما تقصد بـ جميل؟
ـ أقصد فصاحة الأشياء عن حبها
والحب وحده الحب
يؤنسك بدفء تفاحة
وحده الحب
اقتادني إلى رحاب أشجان الحيوات
إلى مقام مكنني فيه أن أتحول إلى طائر
ـ وماذا عن نبيذ الحزن السحري؟
ـ انه يمنحك صوتا إكسيرياً مصفى
ينبغي أن نكون ممسوسين
وإلا فسيتعذر علينا الترنم بالدهشة بين مفردتين
والحب
سفر إلى الضياء الراعش لعزلة الأشياء
إلى صوت المسافات الـ..
ـ . . . غارقة في المجاهيل
ـ كلا
إنما صوت المسافات الزاهية كالفضة
المتكدرة اثر سماعها للاشئ
دائما وحيد هو العاشق
هو والثواني يمضيان بيدين متشابكتين نحو الوجه الآخر للنهار
هو والثواني ينامان على حصير النور
ويدركان جيدا
ما من سمكة قط
استطاعت أن تحل انعطافات النهر
وفي منتصف الليالي ه و والثواني
يستقلان قارب الإشراق المندرس
هائمين في بحار البصيرة
مجدفين نحو مقام الدهشة
ـ نكهة حديثك
تجذب الإنسان إلى أزقة الحكايا
فيا للدم الطازج الحزين المنساب في عروق لحن كهذا.
كانت الباحة متوهجة
الرياح تهب
وكان دم الليل سائباً في صمتهما.
الغرفة فضاء ناصع للتفكر
يا لأبعادها المتواضعة
قلبي منقبض
لا أنوي أن اخلد للنوم
اتجه نحو النافذة
جلس على مقعد عتيق
ما زلت مواصلا سفري
أشعر أن زورقا ما يمخر أمواه العالم
وأنا منذ ألوف الأعوام
أغني لكوى الفصول مواويل طازجة لملاحين انقرضوا
وأجدف وأجدف
ترى إلى أين يقتادني السفر؟
في أي مكان سينطبع اثر القدم ناقصا
في أي مكان ستحل أنامل الفراغ الطرية
رباط الحذاء؟
أين هو المكان الذي يفرد فيه بساط للراحة
والتنصت لصوت إناء
يشطف بماء صنبور مجاور؟
وأنت في أي ربيع ستمكث
لتمتلئ سطيحة روحك بالأوراق الخضر.؟
ينبغي إرتشاف النبيذ
والسير فوق ظل يافع
وحسب.
أين سمت الحياة؟
من أي الجهات سأصل إلى الهدهد؟
أنصت انه ذات الحديث الذي لوع طوال السفر
نافذة الحلم
فأية نغمة كانت ترن في كل الطرق في أذنيك؟
فكر
أين هي النواة المحتجبة لهذا الترنم الغامض؟
أي وزن منعش ودافئ كان يثقل جفنيك؟
لم يكن السفر طويلا
أن مرور سنونوة يقلص وطأة الوقت
وفي محاورة الريح والصفيح
ترجع الشارات صوب مطلع الذكاء
لكن ماذا حدث في تلك البرهة
حين كنت تتأمل من شرفة الصيف جاجرود المضطرب
فحصدت الزرازير حلمك؟
كان موسما للحصاد
كلما حط زرزور على غصن شجرة
تورق كتاب الموسم
وكان السطر الأول
الحياة إغفاءة زاهية لإحدى دقائق حواء
كنت تتأمل
فيما ذهن الريح منفرطا بين البقرة والعشب
انظر
دائما ثمة شرخ على محيا المشاعر
دائما ثمة شيء كأنه نباهة الحلم
طري كخطوات الموت
يدركنا من الخلف
يربت على أكتافنا
فيما نرتشف عند الوقيعة دفء أنامله المشعة وكأنه سم لذيذ
وهل تذكر البندقية؟
ووجه الارخبيل الهادئ؟
ففي ذلك الشجار الصدئ بين الماء والقاع
c0ا يبصر الوقت عبر موشور
ارتج ذهنك اثر اهتزاز القارب
دائما يصعد غبار العادة في لجة التامل
دائما ينبغي معاودة السير بنفس طازج
وان تشهق وتزفر بعمق
كي يصير ناصعا وجه الموت..
اين حجر رينوس؟
قادم انا من جوار شجرة
عليها بصمت ايدي الغربة الناعمة
للذكرى كتبت عبارة من وحي الكابة
اسقوني النبيذ هلموا
عائد انا من السياحة في ملحمة
وكالماء رقراق ومتلاش ع ظهر قلب
كحكاية سهراب والنبيذ السحري.
الى مزرعة طفولتي اقتادني السفر
وقفث كي يستقر قلبي
أنصت لحفيف فراشة
وحينما اشرعت الباب، انكفأت على وجهي اثر هجمة الحقيقة.
ثانية، تحت سماء المزامير
عندما استيقظت جنب ضفة نهر بابل
كان نغم البربط منطفئا
وحينم اصغيت بكاءات كانت تتوافد
وبضع برابط هائجة
تتارجح بين اغصان الصفصاف الطري.
في تلك الرحلة كان الرهبان الطاهرون
يشيرون الى ستارة النبي ارميا المطفئة
وانا بصوت عال ارتل سفر الجامعة
فيما فلاحون لبنانيون
يحصون في اذهانهم ثمار اشجارهم.
على قارعة الطريق
كان الاطفال العراقيون العميان
ينظرون الى خط مسلة حمورابي.
طالعت كل صحف العالم.
كان السفر مليئا بالسيول
فيما سقفه مازوم ومسخم
يفوح برائحة الدخان اثر صخب الالة
وعلى الرمال ، قناني نبيذ فارغة.
تجاور شقوق الغريزة وظلال الاحتمال.
في منتصف الطريق،
كان صوت السعال يصاعد من مصحات المسلولين
بينما العاهرات يتابعن بنظراتهن
دخان الطائرات النفاثة،
الممتد في سماء المدينة، الزرقاء
الاطفال يلاحقون الطائرات الورقية
كناسو الشوارع يرددون الاناشيد
فيما الشعراء الكبار
يصلون على وريقات مهاجرة.
وطريق السفر النائي يممضي بين الانسان والحديد
قاصدا جوهر الحياة الخفي
متصلا بغربة ساقية يافعة
ببرق صدفة صامتة
واتساع لون بالفة لحن.
الى المناطق الاستوائية اقتادني السفر
وكم اتذكر تحت اشجار البانيان الصامدة
جملة ولجت في مستنقع الذهن
كن واسعا،وحيدا مطأطئ الراس وصلدا.
قادم انا من صحبة الشمس
اين هو الظل؟
لكن مازالت القدم دائخة اثر تشعب الربيع،
رائدة الحصاد تفوح من يد الريح
وحاسة اللمس مغمى عليها.
خلف غبار مزاج النارنج
في هذا التجاذب الزاهي
من يعلم في اية نقطة من الموسم ستستقر صخرة عزلتي؟
مازال الغاب يجهل ابعاده المتناهية
مازالت الاوراق تستقل الحرف الاول من مفردة الريح
مازال الانسان يسر شيئا للماء
وساقية حوار تسري في ذاكرة العشب
وعلى مدار الشجرة
ثمة دوي لجناح طائر هو الحضور الغامض لسلوك الانسان
همس همهمة يأتي. المحاور الوحيد لرياح العالم انا.
لي فقط،همست انهار العالم سر الفناء الطاهر.
هناك على قارعة سرناك
فسرت معنى اقراط التيبت ذات الماركة العرفانية
لاذان فتيات بينارس الخالية من الاقراط
فيا نشيد صباح الفيدوات
ضع على كتفي كل ثقل الطراوة
فانني مصاب بحمى التكلم
ويا كل اشجار الزيتون الفلسطينية
حدثيني عن وفرة ظلالك
حدثي هذا المسافر الوحيد القادم من سياحة الطور المحموم
بحمى التكـلم.
لكن ذات يوم سيمحى التكلم
وفراشات الحواس المنتشرة
ستخلع البياض على شوارع الهواء
فياللقصائد التي انشدوها لهذا الحزن الموزون.
لكن، مارال شخص ما واقفا قرب شجرة
فارس ما ماكث خلف بوابة المدينة
حلم معركة القادسية الهنئ
يثقل جفنيه النديين.
مازال صهيل خيول المغول المارقة
يصاعد من مزارع البرسيم الهادئة
مازال التاجر اليزدي يغمى عليه جنب طريق الحرير اثر تنشقه توابل الهند
وقرب هامون مازلت تسمع
استولى الشر على ارجاء الارض
الف عام انقضى
لم نسمع نغمة استحمام
ولم تنطبع صورة فتاة على الماء.
في منتصف الطريق على ضفة جمنا
كنت جالسا
محدقا بمشهد تاج محل الراجف فوق الماء
حيث الديمومة الرخامية للحظات الاكسيرية
واتساع الحياة في جسد الموت
انظر ان الجناحين الكبيرين
مازالا يواصلان رحلتهما الى حافة روح الماء
انظر ثمة قدحات مدهشة جوار اليد
شارة واحدة فحسب
الحياة ضربة هادئة على حجارة المغارة،
في مسير السفر
شطفت طيور روضة النشاط
غبار التجربة عن عيني
ودلتني على عافية سروة
جلست جوار تال
ورحت اترنم بدفء
اجلالا للمشاعر التي اضاءت اعماقي.
لابد من العبور
ومرافقة الافاق النائية
واحيانا نصب خيمة في شرايين كلمة
لابد من العبور
واحيانا التهام حبة توت من مطلع غصن..
كنت اتمشى محفوفا بالغزل
وكان الموسم موسم البركة
وتحت قدمي كانت تدهس اعداد الرمال
امراة سمعت ذلك
دنت من النافذة،القت نظرة على الموسم
كانت في بدء ذاتها
وكانت يدها البدوية تحصد بحنان
ندى اللحظات من مشاعر الموت.
وقفت وكانت شمس التغزل سامقة
كنت مواظبا على تبديد الاحلام
محصيا ضربات نبتة غريبة تطرق الذهن
كنا نظن اننا بلا حاشية
كنّا نظن اننا عائمون بين النصوص الاسطورية لزهرة ريباس متشنجة
وان ثوان من الغفلة هي حصيلة كينونتنا..
كنا في مطلع العشبة الخطرة
حينما هوت علي نظرة امراة:
جاءت وقع خطاك ظننتها الريح تلاعب ستائر بالية
كنت قد سمعت رنين خطاك جوار الاشياء
ـ اين هو حقل الخطوط
ـ انظر الى التموج، الى تشظي جسدي
الشاسع؟ ـ من اية جهة ساصل الى السطح
واملأ امتدادي حد حافة الكأس الرطبة
عطشا
في ايما مكان ستصير الحياة ظريفة كما انكسار انية
متى سيدر سر الفطر لعاب الحصان؟
ـ وفي حشد الايادي الجميلة، سمعنا ،ذات يوم
ايقاع اقتطاف عنقود.
ـ في ايما مكان جلسنا على العدم
وغسلنا ايادينا ووجوهنا بدفء تفاحة؟
ـ قدحات المستحيل تصاعد من الكينونة
ـ في ايما مكان سيصير رعب التامل لطيفا
واكثر خفاء من مسار الطائر نحو الموت؟
في محاورة الاجساد لكم كان طريق الصفصافة نيرا
اي السبل تفضي بي الى مزرعة المسافات؟
لابد من العبور
انها همسة الريح، لابد من العبور
ومسافر انا ايتها الرياح الدائمة
خذوني الى رحاب تشكل الوريقات
الى طفولة ملوحة المياه
والى ان يتكامل جسد العنب
املاوا احذيتي بنشاط الجمال
ارفعوا لحظاتي الى ذرى الطيور
ودعوها تتسامى في سماء الغريزة الناصعة
واحيلوا حادثة كينونتي المجاورة للشجرة
الى صلة مفقودة وطاهرة
وحين اتنفس العزلة
بعثروا شبابيك مشاعري.
ابعثوني لمطاردة الطائرة الورقية للايام تلك
ابعثوني الى خلوة اوجه الحياة
ودلوني على مقام الهباء الملائم