"في كل بوم، في دخان زيت الضاحية العمالية ورائحته كانت صافرة المعمل تزأر وترتعش.
وكالصراصير المروعة، يخرج على عجل، ومن منازل صغيرة رمادية، رجال كئيبو الوجوه، ما يزالون هلكي العضلات، وفي الظهيرة الباردة، ينطلقون في الشوارع غير المبلطة، نحو القفص الحجري الشاهق الذي ينتظرهم بهدوء ولامبالاة، بعيونه المربعة اللزجة التي لا عداد لها ولا حصر."
"تحت أقدامهم يفرقع الوحل، وهتافات مبحوحة، هي هتافات الأصوات النعسى كانت تسعى لاستقبالهم، وسباب بذيء كان يمزق الهواء، ثم تأتي اصوات اخرى الآن، هي ضجيج الآلات الأخرس وبغام البخار."
"وعلى الضاحية تشرف المداخن العالية السوداء، عبوسة قاتمة، كالأعمدة الجبارة. وفي المساء عندما تغرب الشمس، وتلمع أشعتها الحمراء على زجاج النوافذ، نوافذ البيوت، يقيء المعمل من أحشائه الحجرية، حثالاته البشرية، وينتشر من جديد في الشوارع، العمال الملطخو الوجوه بسواد الدخان، ، العمال ذوو الأسنان اللامعة، أسنان الجياع، ينتشرون ليثقلوا الهواء بالعبق الرطب، عبق زيوت الآلات."
"ان اصواتهم تنطلق الآن نشيطة، بل فرحة، فلقد انتهت سخرة اليوم، وفي المنازل ينتظرهم العشاء والراحة."
"لقد ابتلع المعمل النهار، وامتصت الآلات من عضلات الرجال ما تحتاج من قوى، وامحى هذا النهار دون أن يترك وراءه آثاره، وخطا المرء نحو قبره خطوة...ولكن عذوبة الراحة بدت له قريبة المنال، وكذلك لذة الملهى العابق بالدخان... وانه لسعيد من أجل ذلك"
"وفي أيام الأعياد ينام الناس حتى العاشرة، ثم يرتدي المترنون منهم والمتزوجون أبهى الملابس، ويذهبون الى الصلاة، وهم ينعون على الشباب استهتاره بالأمور الدينية، وعندما يعودون من الكنيسة، يأكلون ثم يستسلمون الى الرقاد حتى المساء."
"ولما كان الانهاك المتكدس خلال السنين يفسد الشهية، فإن الكثيرين منهم يلجأون الى الشرب، ليثيروا نشاط معدهم بالاحتراقات الكحولية الحادة."
"وفي المساء يتنزهون في الشوارع بكسل، يلبس الذين يملكون جزمات جزماتهم، حتى ولو كان الطقس صاحياً، ويحمل الذين يمكلون مظلات مظلاتهم، حتى ولو كانت الشمس مشرقة."
"وعندما يتلاقون يتحدثون عن المعمل، عن الآلات، ويكيلون الشتائم لرؤسائهم، إن أحاديثهم وأفكارهم لا تتعدى الأشياء المتعلقة بالعمل، وقليلاًما تند خاطرة مسكينة سيئة الأداء، فتلقي التماعة فريدة في رتابة أيامهم الدكناء. وعند العودة يتجادلون مع نسائهم، ويضربونهن غالباً دون أن يزعجوا قبضاتهم."
**** ***** *****
أليكسي مكسيموفيتش بيشكوف(بالروسية: Алексей Максимович Пешков) ويعرف بمكسيم غروكي (Максим Горький)؛ (28 مارس 1868 - 18 يونيو 1936)، روائي و قاص وناشط سياسي سوفييتي روسي، مؤسس مدرسة الواقعية الاشتراكية التي تجسد النظرة الماركسية للأدب.