“التفتت الشيخةُ إليَّ: "ما هذا... خمسة كُتَّاب، بَسْ، خمسة بَسْ مخالفون للشريعة... ألم تقرئي وتدقِّقي، أم أنّك تجهلين أصلاً ما هي الشريعة؟".
"لقد دققت يا سيّدتي الشيخة. لا يوجد غير هؤلاء. أنتِ تعرفين أنّنا في بلد الإيمان والحِكمة كما وصفها صلّى الله عليه وسلّم".
حركة رأسها المتواصلة أنبأتني بغضبها.
"أنتِ جاهلة. قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان عن اليمنيين القدامى، المؤمنين، مُش هؤلاء الكفرة الذين يعيشون في هذا الزمن. في آخر الزمن. ألم تسمعي عن حديث النبي حول المسلمين في آخر الزمن، وأنَّ القابض على دينه سيكون كالقابض على الجمر؟"
"لقد دققت يا سيّدتي الشيخة. لا يوجد غير هؤلاء. أنتِ تعرفين أنّنا في بلد الإيمان والحِكمة كما وصفها صلّى الله عليه وسلّم".
حركة رأسها المتواصلة أنبأتني بغضبها.
"أنتِ جاهلة. قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان عن اليمنيين القدامى، المؤمنين، مُش هؤلاء الكفرة الذين يعيشون في هذا الزمن. في آخر الزمن. ألم تسمعي عن حديث النبي حول المسلمين في آخر الزمن، وأنَّ القابض على دينه سيكون كالقابض على الجمر؟"
"أيْوَه.. أيْوَه.. حافظة للحديث".
لم تدعني أبرّر أكثر؛ أخرجت رزمة من الورق كانت تحت الفرش الذي تجلس عليه: "ها... شُوفي هذا التقرير، كيف هو مضبوط، عن الكُتّاب الكفرة".
لم تناولني التقرير لأقرأه، لكنَّني لاحظتُ بعض العبارات المدوَّنة على صفحته الأولى. في أعلى الصفحة كُتب بخطّ يد غير واضح: "شعبة شؤون جماعات المجاهدين: للإطلاع وعمل اللازم"؛ وتحتها رسالة مطبوعة، لمحت أنّها معنونة إلى مسؤول في جهاز الأمن السياسي، لم أتحقق من اسمه. وفي بدايتها إشارة: إنَّ هذا البحث تم بناءً على طلبكم، وقد كلّفنا الأخ أبو مصعب بانجازه. وإذْ راحت عيناي إلى أسفل الصفحة، وجدتها موقّعة باسم الأستاذ الدكتور أبو جهاد وصفته الأكاديمية في جامعة صنعاء.
هل يمكن أن يكون أبو مصعب هو نفسه طالب الماجستير الذي وجدته يبحث في الصحف مثلي في دار الكتب؟ لقد قال لي إنَّ اسمه هكذا، لكنّه لم يذكر لي اسم أستاذه الذي كلّفه. هل أبو جهاد هو اسمه الرمزي، أم اسمه التنظيمي السرّي الذي يتعامل به مع جهاز المخابرات؟
بقيت الشيخة تنتظرني، كما بدا، أن أخرج عن صمتي.
"شُوفي... شُوفي على دقّة... كلّ الكتّاب والصحافيين الخارجين عن الشريعة مسجّلين هنا، مع ملخّص ومقتطفات لما كتبوه... شُوفي... شُوفي... هه". قالت، وقلبت الصفحة الأولى، لأرى المفاجأة، في الصفحة الثانية. إنّه الخط الذي قلت لنفسي، حين رأيته أوَّل مرّة، أنَّ لا خطّ يماثله، إنّه خط أبي مصعب نفسه الذي يشبه الخطوط القديمة التي كُتب فيها القرآن الكريم.
هل يتعامل الأستاذ الجامعي مع المخابرات وحده، فكلّف أبا مصعب بهذا البحث، كمتطلّب دراسي، دون أن يخبره أنَّه متطلّبٌ، أيضاً، لجهاز المخابرات؟ أم أنَّ أبا مصعب هو أيضاً يتعامل مع المخابرات؟ [أستاذه يذكر في رسالته إلى رئيسه في المخابرات أنّه كلّف أبا مصعب، ما يعني أنَّهم يعرفونه؛ لكن معرفتهم به هل تعني أنَّه يتعامل معهم؟ ألا يمكن أن يكونوا قد استغلوا ثقافته الجهادية السلفية للقيام بمثل هذا العمل؟] وإذا كان الاثنان كذلك، أو أحدهما، فما الذي أوصل التقرير إلى الشيخة؟ هل يعمل أحدهما مزدوجاً مع المخابرات والجماعة الجهادية، أم أنَّ مخابرات الأمن السياسي نفسها مزدوجة، فتنسخ تقاريرها إلى الجماعة الجهادية لتحرّضها على الكُتّاب باعتبارهم كفرة؟
"ما العمل الآن. كيف أتصرَّف معك. ما هو الحل برأيك؟" قالت الشيخة.
لم تتح لي أن أرى ما كُتب في الورقة. كانت شديدة الانفعال، وتحرّك بيديها الأوراق كثيراً.
"الخيار ما أختاره الله.. اعملي ما يسخَّرك الله ويهديك إليه" قلت لها وأنا أمضي بإحساس أنّني قد لا أراها مجدّداً."
لم تدعني أبرّر أكثر؛ أخرجت رزمة من الورق كانت تحت الفرش الذي تجلس عليه: "ها... شُوفي هذا التقرير، كيف هو مضبوط، عن الكُتّاب الكفرة".
لم تناولني التقرير لأقرأه، لكنَّني لاحظتُ بعض العبارات المدوَّنة على صفحته الأولى. في أعلى الصفحة كُتب بخطّ يد غير واضح: "شعبة شؤون جماعات المجاهدين: للإطلاع وعمل اللازم"؛ وتحتها رسالة مطبوعة، لمحت أنّها معنونة إلى مسؤول في جهاز الأمن السياسي، لم أتحقق من اسمه. وفي بدايتها إشارة: إنَّ هذا البحث تم بناءً على طلبكم، وقد كلّفنا الأخ أبو مصعب بانجازه. وإذْ راحت عيناي إلى أسفل الصفحة، وجدتها موقّعة باسم الأستاذ الدكتور أبو جهاد وصفته الأكاديمية في جامعة صنعاء.
هل يمكن أن يكون أبو مصعب هو نفسه طالب الماجستير الذي وجدته يبحث في الصحف مثلي في دار الكتب؟ لقد قال لي إنَّ اسمه هكذا، لكنّه لم يذكر لي اسم أستاذه الذي كلّفه. هل أبو جهاد هو اسمه الرمزي، أم اسمه التنظيمي السرّي الذي يتعامل به مع جهاز المخابرات؟
بقيت الشيخة تنتظرني، كما بدا، أن أخرج عن صمتي.
"شُوفي... شُوفي على دقّة... كلّ الكتّاب والصحافيين الخارجين عن الشريعة مسجّلين هنا، مع ملخّص ومقتطفات لما كتبوه... شُوفي... شُوفي... هه". قالت، وقلبت الصفحة الأولى، لأرى المفاجأة، في الصفحة الثانية. إنّه الخط الذي قلت لنفسي، حين رأيته أوَّل مرّة، أنَّ لا خطّ يماثله، إنّه خط أبي مصعب نفسه الذي يشبه الخطوط القديمة التي كُتب فيها القرآن الكريم.
هل يتعامل الأستاذ الجامعي مع المخابرات وحده، فكلّف أبا مصعب بهذا البحث، كمتطلّب دراسي، دون أن يخبره أنَّه متطلّبٌ، أيضاً، لجهاز المخابرات؟ أم أنَّ أبا مصعب هو أيضاً يتعامل مع المخابرات؟ [أستاذه يذكر في رسالته إلى رئيسه في المخابرات أنّه كلّف أبا مصعب، ما يعني أنَّهم يعرفونه؛ لكن معرفتهم به هل تعني أنَّه يتعامل معهم؟ ألا يمكن أن يكونوا قد استغلوا ثقافته الجهادية السلفية للقيام بمثل هذا العمل؟] وإذا كان الاثنان كذلك، أو أحدهما، فما الذي أوصل التقرير إلى الشيخة؟ هل يعمل أحدهما مزدوجاً مع المخابرات والجماعة الجهادية، أم أنَّ مخابرات الأمن السياسي نفسها مزدوجة، فتنسخ تقاريرها إلى الجماعة الجهادية لتحرّضها على الكُتّاب باعتبارهم كفرة؟
"ما العمل الآن. كيف أتصرَّف معك. ما هو الحل برأيك؟" قالت الشيخة.
لم تتح لي أن أرى ما كُتب في الورقة. كانت شديدة الانفعال، وتحرّك بيديها الأوراق كثيراً.
"الخيار ما أختاره الله.. اعملي ما يسخَّرك الله ويهديك إليه" قلت لها وأنا أمضي بإحساس أنّني قد لا أراها مجدّداً."
رواية "حُرمة" علي المقري - دار الساقي- بيروت 2012