"وجدوا لفافة الكفن منزوية في عمق القبر، عالقة بها خصلات من شعرها الكستنائي الطويل، وما زالت رائحتها ملتصقه به. أكدت رائحتها الندية الفواحة من ثنايا الكفن هربها. علل المحقق استنتاجه بقوله: "لو أنها بقيت بعض الوقت لتخمرت الرائحة، وشابها ما يشبه انتشار رائحة نتن البول القديم". وكان الاستنتاج المبدئي المنساق لمقولة الهروب، أن أسوار مقبرة الأسد، أسوار منخفضة، مكنتها من القفز إلى الشارع العام. هذه الفرضية قابلها سؤال تشبث في مكانه كمسمار صدئ غرسته فوهة العقيد نبيل تركستاني (كأول محقق استلم القضية، وعزف عن المواصلة فيها، بعد أن أمضى سنوات عمره مطارداً المجرمين على اختلاف أرصافهم وفاكاً عقد جرائم غامضة عديدة): لو صح هروبها، فهل تهرب عالية، في حي يعيش عيشة نمل، يتبادل سكانه حالات اليقظة على مدار اليوم. تمادى العقيد نبيل في وضع حواجز أمام هروبها منفردة، بأسئلة متسلسلة على هامش القضية: كيف لها أن تزيح غطاء القبر، وهي الضعيفة القصيرة؟ لا يمكن أن تهرب في وضح النهار، لخطورة اكتشافها من خلال الحارس، أو شرفات العمائر المحيطة بالمقبرة، وإذا كان هروبها ليلاً فهل بقيت داخل القبر أم خارجه؟ يبقى السؤال متى هربت ومن ساعدها على الهرب... عادت فكرة هروب الفتاة الشابة من قبرها، تسيطر على فريق البحث، بتأكيدات لا تقبل المحاجة. بت على يقين أن أحداً ساعدها على الهرب. أزاح لها غطاء القبر، وجلب معه ملابس لتستتر بها، وتولى مهمة إخراجها من المقبرة بطريقته، فمع من هربت. فحّصت كل أوراق القضية، بحثاً عن الشخص الذي يمكن أن يكون قد ساعدها على الهرب، وفي كل مرة اصطدم بما يخيب توقعاتي".
إظهار الرسائل ذات التسميات عبده خال. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات عبده خال. إظهار كافة الرسائل
2 أغسطس 2012
12 ديسمبر 2010
ترمي بشرر (مقنطفات من الرواية 2) - عبده خال
"منذ عشرات السنين ، انطلقت تكبيرات صلاة العيد، وكنت أهم بالإنتقال إلى بيوت الأقرباء من غير أن تطال ملابسي قاذورات الأزقة الملتوية، اعترضتني بقعة ماء موحلة، وكلما حاولت اجتيازها تمددت سرت بمحاذاتها فاتسعت رقعتها، عدت أبحث عن الجانب الضيق منها كي أقفزه، وكنت أحاذر من أن تصل أوحالها القذرة إلى ثيابي الجديدة فتعكر صفاء العيد، فاحتجت وقتا ليس بالقصير لأن أنقل عددا من الحجارة والأخشاب وأعبد بها ممشاي كي أصل للجهة الأخرى.. بثياب نظيفة وقبل أن أكمل خطواتي المتأرجحة فوق الجسر الذي شيدته، كانت ثمة يد تلقي بصفيحة قاذورات من إحدى الأسطح المطلة فوق هامتي مباشرة! عندها لم يعد مجديا المحاذرة من قاذورات الشوارع، فعدت للبيت أكثر اتساخا، ومضى العيد وأنا أتناشج بحرقة ليس على اتساخ ملابسي الجديدة بل على ضياع العيدية، واتساءل:
هل تحرزنا وحذرنا مما في الأرض يقينا مما يلقى علينا من السماء ؟!
هذه هي الحكمة العظيمة التي تعلمتها وبسببها لم أحاذر بقية حياتي من أي دنس يعلق بي ، سعيت في كل الدروب القذرة وتقلدت سنامها ."
هل تحرزنا وحذرنا مما في الأرض يقينا مما يلقى علينا من السماء ؟!
هذه هي الحكمة العظيمة التي تعلمتها وبسببها لم أحاذر بقية حياتي من أي دنس يعلق بي ، سعيت في كل الدروب القذرة وتقلدت سنامها ."
9 يوليو 2010
ترمي بشرر (مقتطفات من الرواية 1) - عبده خال
"كل كائن يتخفى بقذارته ، ويخرج منها مشيرا لقذارة الأخرين !”.
"حكمه متواضعة اصطدم بها يوميا ولايريد أحد ممن يتسربل بها الإقتناع بممارسته للغباء، لذلك أجد في تذكرها ممارسة لغباء إضافي ! "
"من أين تأتي القسوة ” "الحياة المرة لاتترك لك فرصة تدبر معالجة الإعوجاج ، فليس هناك وقت لإختيار الصواب أو الامتناع عن الخطأ حيث تقع على كاهلك مهمة دفع الحياة للأمام من غير تبصر كي لا تُترك خلفها وبهذه المدافعه اليومية نفقد أنفسنا في أوقات كثيرة، أو نتناقص، الحياة تلعب معنا لعبة الإغواء وتتزود بسحق أرواحنا لكي تستمر في جريانها، ونظل تائهين داخلها، متبرمين من ضيقها أو سعتها."“جربت الحالتين ولكل منهما ضيق يسد الأفق، الفقر يدفعك لأن تبحث عن أبواب الغنى، والغنى يدفعك لأن تبحث عن أسباب الفجور وفي الحالتين أنت منساق لكتابة قدر يتلون بأفعالك الأولى “ “غدت تهاني شعاعا أراه، وأنا مقذوف في أسفل الجب …في سقوطنا لا نتذكر صرخاتنا التي نطلقها ولانتذكر نوع محاولاتنا للإمساك بالأشياء التي تقينا من السقوط، ولا نستشعر بالجروح التي تخطف دماؤنا فقط نهوي باحثين عن آخر عمق، نرتطم به حتى إذا استقر قرارنا عندما نتلمس جراحنا ، ومواقعنا.أنا الأن أسفل السافلين، ولا أظن أن هناك أبعد من القرار الذي وصلت إليه"
"تمنحك الحياة سرها متأخرا حين لا تكون قادرا على العودة للخلف،
29 مايو 2010
الطين (مقتطفات من الرواية) - عبده خال
من فصل "أحداثٌ ضبابية" الطين
"حواجزُ و أشكال هندسية تضيقُ و تتّسع و نحن أسرى تلك الأشكال. من منا يعرف سر هذا الشهيق والزفير؟ هذا الهواء الذي يمنحنا الحركة، و الأحلامَ، و الجبروت، فإذا ركد في دواخلنا غدونا كأواني الفخّار المهشّمة.
نحنُ نعيشُ في نقطة الغياب، نُمنعُ من زيارة الماضي بحاجز الماضي،
ولا نقدرُ على تخطّي الأيام لرؤية المستقبل. حتى اللحظة المعيشة تمنعك من معرفة خبر علق هناك، تمنعك من معرفة الأحداث التي تجاورك في حيك أو مدينتك أو قريتك. تمنعك بحاجز المكان. نحن نقومُ طوال حياتنا بحركةٍ واحدة: السّير للأمام و كأننا علبٌ في مصنع كبير وُضعت في دورها، تُعبّأ، و تُختم، و تسيرُ آلياً،
23 مايو 2010
الجدار (قصة قصيرة) - عبده خال
كانَ نائماً و رأى فيما يرى النائم : زنزانة ضيقة نتنة ،كان يقف فيها بصعوبة ، و المسامير تأكل من جسده ، فتهطل دماؤه سوداء ، و يصرخُ فلا يسمع لصوته من صدى ، و رأى حية رقطاء تلتفّ حول عنقه ، وتهمّ بغرس أنيابها بحبل الوريد ، وقبل أن تفعل ذلك استيقظ من نومه فزعاً ، ودفعَ غطاءه لكنّ الغطاء استحال الى جدار .
** ** ** ** **
الجدار مرّة أخرى
أحبُّ البرد بهذه العادة التي درجتُ عليها منذ الصغر حيث أغلق منافذ غرفتي و التحف بغطاء سميك ، و ارتشفُ كوباً ساخناً من الشاي بينما عيناي تركضان بين سطور إحدى الروايات ، و لم يطرأ أي تغيّر على هذه العادة سوى علبة سجائر استجلبُ منها دخاناً يُنعش هاتين الرئتين ويزيدهما ضيقاً ، و لا زلتُ أستلذُّ بهذه الجلسة مع كلِّ موسم شتاء .
كان من الممكن أن تنندثر هذه العادة مع كثير من الأحلام التي كنتُ أعيشها وتصبحُ جرحاً في الذاكرة يطيبُ لي استرجاعها بين الحين والآخر بحنين متدفّق راوياً أعماقي المُجدبة بقطرات دمع شحيح وفاء لذلك العهد القديم .
ها هو البرد يأتي في موعده قارساًيحيلُ الأشياء الى جمر بارد ليصبح لمس أي شيء مُخاطرة بفتح منافذ جسدك لإستقبال وخزات البرد الحادّة لذلك كنتُ أحرصُ دائماً على جمع عظامي بغطائي السميك وعدم لمس أي شيءٍ يجاورني ، وقد ضحك مني أحد الأصدقاء حينما اخبرته على هذه العادة عندما عاتبني :
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)